كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكان بوذا- على ما نقل- يقول عن نفسه من دون كبرياء برهمية: (أنا متسول، ولا توجد إلا شريعة واحدة للجميع، وهى العقاب الشديد للمجرمين والثواب العظيم للصالحين، وشريعتي شريعة نعمة للجميع، وفيها كالسماء مكان للرجال والنساء والصبيان والبنات والاغنياء والفقراء على أنه يعسر على الغنى أن يسلك طريقها).
وكان تعليمه على ما عند البوذيين: أن الطبيعة ذات فراغ وأنها وهمية خداعة وأن العدم يوجد في كل مكان وكل زمان، وهو مملوء من الغش، ونفس هذا العدم يزيل كل الحواجز بين أصناف الناس وجنسياتهم وأحوالهم الدنيوية، ويجعل أحقر الديدان إخوة للبوذيين.
وهم يعتقدون أن آخر عبارة نطق بها سقيامونى هي (كل مركب فان) والغاية القصوى عندهم هي نجاة النفس من كل ألم وغرور، وأن دور التناسخ الذى لا نهاية له ينتهى أو ينقطع بمنع النفس أن تولد ثانية، ويتوصل إلى ذلك بتطهيرها حتى من رغبة الوجود.
فهذه القواعد الاساسية للبوذية موجودة صريحا في أقدم تعليمها المدرج في (الاريانى ستيانس) وهى أربع حقائق سامية تنسب إلى سقيامونى ذكرها في عظته الأولى التى قام بها في غابة تعرف بغابة الغزال بالقرب من بنارس.
وتلك الحقائق الاربع تتعلق بالالم وأصله وملاشاته وبالطريقة المؤدية إلى الملاشاة فالالم هو الولادة والسن والمرض والموت ومصادفة المكروه ومفارقة المحبوب والعجز عما يرام، وأسباب الالم الشهوات النفسانية والجسدية والاهواء، وملاشاة جميع هذه الأسباب هي الحقيقة الثالثة، ولطريقة الملاشاة أيضا ثمانية أقسام وهى: نظر صحيح وحس صحيح، ونطق صحيح، وفعل صحيح، ومركز صحيح، وجد صحيح وذكر صحيح، وتأمل صحيح، فهذه صورة الإيمان عندهم وقد وجدت محفورة على أبنية كثيرة ومدونة في عدة كتب.
وأما خلاصة الأدب البوذى فهى اجتناب كل شيء ردى، وعمل كل شيء صالح وتهذيب العقل.
فهذا هو الذى سلموه من تعليم بوذا، وما عداه من العبادات والذبائح والكهنوت والفلسفة والاسرار أمور أضيفت إليه بكرور الايام ومرور الدهور، وهى تشتمل على أقاويل وآراء عجيبة في خلق العالم ونظمه وغير ذلك.
ومما يقال إن بوذا لم يتكلم عن الإله قط، غير ان ذلك لم يكن لاعراض منه عن مبدء الوجود ولا لانكار بل لأن الرجل كان يبذل كل جهده في تجهيز الناس بالزهد عن زهرة الحياة الدنيا وتنفيرهم عن هذه الدار الغارة.
8- وثنية العرب.
وهم أول من عارضهم الإسلام بالدعوة إلى التوحيد من عبدة الاوثان، كان معظم العرب في عهد الجاهلية بدويين واهل الحضارة منهم كاليمن في طبع البداوة يحكم فيهم من السنن والاداب رسوم مختلطة مختلفة مأخوذة من جيرانهم الاقوياء كالفرس والروم ومصر والحبشة والهند، ومنها السنن الدينية.
وكان أسلافهم الاقدمون وهم العرب العاربة ومنهم عاد إرم وثمود على دين الوثنية كما يحكيه الله سبحانه في كتابه عن قوم هود وصالح وعن أصحاب مدين وعن اهل سبأ في قصة سليمان والهدهد، حتى أن جاء إبراهيم عليه السلام بابنه إسماعيل وأمه هاجر إلى ارض مكة وهى واد غير ذى زرع وبها قبيلة جرهم، وأسكنهما هناك فنشأ إسماعيل عليه السلام وبنيت بلدة مكة، وبنى إبراهيم عليه السلام الكعبة البيت الحرام ودعا الناس إلى دينه الحنيف وهو الإسلام فاستجيب له في الحجاز وما والاها وشرع لهم الحج كما يدل على جملة ذلك قول الله تعالى له فيما يحكيه القرآن: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}، الحج: 27 ثم تهود بعض الاعراب لمعاشرة كانت بينهم وبين اليهود النازلين بالحجاز، وتسربت النصرانية إلى بعض أقطار الجزيرة، والمجوسية إلى بعضها الاخر.
ثم وقعت وقائع بين آل إسماعيل وجرهم بمكة حتى آل إلى غلبة آل إسماعيل وإجلاء جرهم منها واستولى عمرو بن لحى على مكة وما والاها.
ثم إنه مرض مرضا شديدا فقيل له: إن البلقاء من أرض الشام حمة لو استحممت بها برئت فقصدها واستحم بها فبرئ، ورأى هناك قوما يعبدون الأصنام فسألهم عنها فقالوا: هذه ارباب اتخذناها على شكل الهياكل العلوية والاشخاص البشرية نستنصر بها فننصر ونستسقى بها فنسقى فأعجبه ذلك فطلب منهم صنما من اصنامهم فدفعوا إليه هبل فرجع إلى مكة ووضعه على الكعبة، وكان معه إساف ونائلة وهما صنمان على شكل زوجين- كما في الملل والنحل- أو شابين- كما في غيره- فدعا الناس إلى عبادة الأصنام وروج ذلك بين قومه فعادوا يعبدونها بعد إسلامهم وقد كانوا يسمون حنفاء لاتباعهم ملة إبراهيم عليه السلام فبقى عليهم الاسم وهجرهم المعنى وصار الحنفاء اسما للوثنيين منهم.
وكان مما يقربهم إلى الوثنية أن الكعبة المشرفة كان يعظمها اليهود والنصارى والمجوس والوثنية جميعا فكان لا يظعن من مكة ظاعن إلا حمل معه شيئا من حجارة الحرم تبركا وصبابة، وحيثما حلوا وضعوه وطافوا به تيمنا وحبا للكعبة والحرم.
وعن هذه الأسباب شاعت الوثنية بين العرب عاربهم ومستعربهم ولم يبق من أهل التوحيد بينهم إلا آحاد لا يذكرون، وكان من الأصنام المعروفة بينهم هبل وإساف ونائلة، وهى التى أتى بها عمرو بن لحى ودعا إليها الناس، واللات والعزى وروى في الكافي بإسناده إلى عبد الرحمن بن الاشل بياع الانماط عن الصادق عليه السلام أن يغوث كان موضوعا قبالة باب الكعبة، وكان يعوق عن يمين الكعبة ونسر عن يسارها. وفي الرواية أيضا أن هبل كان على سطح الكعبة وإساف ونائلة على الصفا والمروة. وفي تفسير القمى قال: كانت ود لكلب، وكانت سواع لهذيل ويغوث لمراد، وكانت يعوق لهمدان، وكانت نسر لحصين.
وكانت في الوثنية التى عندهم آثار من وثنية الصابئة كالغسل من الجنابة وغيره.
وفيها آثار من البرهمية كالقول بالانواء والقول بالدهر كما تقدم عن وثنية بوذه قال تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} الجاثية: 24 وإن ذكر بعضهم أنه قول الماديين المنكرين لوجود الصانع.
وفيها شيء من الدين الحنيف وهو اسلام إبراهيم عليه السلام كالختنة والحج إلا أنهم خلطوه بسنن وثنية كالتمسح بالاصنام التى حول الكعبة والطواف عريانا، والتلبية بقولهم: لبيك لبيك اللهم لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك.
وعندهم أمور أخر اختلقوه من عند أنفسهم كالقول بالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام والقول بالصدى والهام والانصاب والازلام وأمور أخر مذكورة في التواريخ وقد تقدم تفسير البحيرة والسائبة والوصيلة والحام في سورة المائدة في ذيل آية 103 وكذا ذكر الازلام والانصاب في ذيل آية 3 وآية 90.
9- دفاع الإسلام عن التوحيد ومنازلته الوثنية.
لم تزل الدعوة الإلهية تخاصم الوثنية وتقاومه وتندب إلى التوحيد كما ذكره الله في كتابه فيما يقصه من دعوة الأنبياء والرسل كنوح وهود وصالح وإبراهيم وشعيب وموسى عليهم السلام، وأشير إلى ذلك في قصص عيسى ولوط ويونس عليهم السلام.
وقد أجمل القول في ذلك في قوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} الأنبياء: 25.
وقد بدأ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته العامة بدعاء الوثنيين من قومه إلى التوحيد بالحكمة والموعظة والجدال بالتى هي أحسن فلم يجيبوه إلا بالاستهزاء والاذى وفتنة من آمن به منهم وتعذيبه أشد العذاب حتى اضطر جمع من المسلمين إلى ترك مكة والهجرة إلى الحبشة، ثم مكروا لقتله صلى الله عليه وآله وسلم فهاجر إلى المدينة ثم هاجر إليها بعده عدة من المؤمنين.
ولم يلبثوا حتى تعلقوا به بالقتال، وقاتلوه ببدر وأحد والخندق وفي غزوات أخرى كثيرة حتى أظهره الله تعالى عليهم بفتح مكة فظهر صلى الله عليه وآله وسلم البيت والحرم من أوثانهم، وكسر الأصنام المنصوبة حول الكعبة المشرفة، وكان هبل منصوبا على سطح الكعبة فأصعد عليا عليه السلام إليه فرماه إلى الأرض وكان- على ما يقال- أعظم أصنامهم فدفن- على ما ذكروه- في عتبة باب المسجد.
والإسلام شديد العناية بحسم مادة الوثنية وتخلية القلوب عن الخواطر الداعية إليها وصرف النفوس حتى عن الحومان حولها والاشراف عليها، وذلك مشهود مما ندب إليه من المعارف الاصلية والاخلاق الكريمة والاحكام الشرعية فتراه يعد الاعتقاد الحق أنه لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى يملك كل شئ، له الوجود الاصيل الذى يستقل بذاته وهو الغنى عن العالمين، وكل ما هو غيره منه يبتدئ واليه يعود، واليه يفتقر في جميع شؤون ذاته حدوثا وبقاء فمن أسند إلى شيء شيئا من الاستقلال بالقياس إليه تعالى- لا بالقياس إلى غيره- في شيء من ذاته أو صفاته أو اعماله فهو مشرك بحسبه.
وتراه يأمر بالتوكل على الله، والثقة بالله، والدخول تحت ولاية الله، والحب في الله، والبغض في الله، وإخلاص العمل لله، رو ينهى عن الاعتماد بغير الله، والركون إلى غيره، والاطمئنان إلى الأسباب الظاهرة ورجاء من دونه، والعجب والكبر إلى غير ذلك مما يوجب إعطاء الاستقلال لغيره والشرك به.
وتراه ينهى عن السجدة لغيره تعالى، وينهى عن اتخاذ التماثيل ذوات الاظلال وعن تصوير ذوى الارواح، وينهى عن طاعة غير الله والاصغاء إليه فيما يأمر وينهى إلا ما رجع إلى طاعة الله كطاعة الأنبياء وأئمة الدين، وينهى عن البدعة واتباعها وعن اتباع خطوات الشيطان.
والاخبار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن أئمة أهل البيت عليهم السلام متظافرة في أن الشرك ينقسم إلى جلى وخفى، وأن الشرك ذو مراتب كثيرة لا يسلم من جميعها إلا المخلصون، وأنه أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء، وقد روى في الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} الشعراء: 89، القلب السليم الذى يلقى ربه ليس فيه أحد سواه.
قال: وكل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للاخرة.
وورد أيضا أن عبادته تعالى طمعا في الجنة عبادة الاجراء، وعبادته خوفا من النار عبادة العبيد، وحق العبادة أن يعبد تعالى حبا له وتلك عبادة الكرام، وهذا مقام مكنون لا يمسه إلا المطهرون وقد تقدمت عدة من هذه الروايات في بعض الأبحاث السابقة من الكتاب.
10- بناء سيرة النبي على التوحيد ونفى الشركاء: أجمل تعالى سيرته صلى الله عليه وآله وسلم التى أمره باتخاذها والسير بها في المجتمع البشرى في قوله: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} آل عمران: 64، وقال تعالى يشير إلى ما داخل دينهم من عقائد الوثنية: {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} المائدة: 77.
وقال أيضا يذم أهل الكتاب: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} التوبة: 31.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم قد سوى بين الناس في إجراء الأحكام والحدود وقارب بين طبقات المجتمع كالحاكم والمحكوم، والرئيس والمرؤوس، والخادم والمخدوم، والغنى والفقير، والرجل والمرأة، والشريف والوضيع فلا كرامة ولا فخر ولا تحكم لاحد على أحد إلا كرامة التقوى والحساب إلى الله والحكم إليه.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقسم بالسوية، وينهى عن تظاهر القوى بقوته بما يتأثر وينكسر به قلب الضعيف المهين كتظاهر الاغنياء بزينتهم على الفقير المسكين، والحكام والرؤساء بشوكتهم على الرعية.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعيش كأحد من الناس لا يمتاز منهم في مأكل أو مشرب أو ملبس أو مجلس أو مشية أو غير ذلك، وقد تقدم جوامع سيرته في آخر الجزء السادس من هذا الكتاب.
كلام آخر ملحق بالكلام السابق نزن فيه تعليم القرآن الكريم بقياسه إلى تعاليم ويدا، وأوستا، والتوراة، والانجيل على نحو الاجمال والكلية في فصول وهذا بحث تحليلي شريف.
1- التناسخ عند الوثنيين: من الاصول الاولية التى تبتنى عليها البرهمية ومثلها البوذية والصابئية هو التناسخ وهو أن العالم محكوم بالكون والفساد دائما فهذا العالم المشهود لنا وكذا ما فيه من الاجزاء مكون عن عالم مثله سابق عليه وهكذا إلى غير النهاية، وسيفسد هذا العالم كما لا يزال يفسد أجزاؤه ويتكون منه عالم آخر وهكذا إلى غير النهاية، والإنسان يعيش في كل من هذه العوالم على ما اكتسبه في عالم يسبقه فمن عمل صالحا واكتسب ملكة حسنة فستتعلق نفسه بعد مفارقة البدن بالموت ببدن سعيد ويعيش على السعادة، وهو ثوابه، ومن أخلد إلى الأرض واتبع هواه فسوف يعيش بعد الموت في بدن شقى ويقاسي فيه أنواع العذاب إلا من عرف البرهم واتحد به فإنه ينجو من الولادة الثانية ويعود ذاتا أزلية أبدية هي عين البهاء والسرور والحياة والقدرة والعلم لا سبيل للفناء والبطلان إليها.
ولذلك كان من الواجب الدينى على الإنسان أن يؤمن بالبرهم وهو الله أصل كل شيء ويتقرب إليه بالقرابين والعبادات، ويتحلى بالاخلاق الكريمة والاعمال الصالحة فإن عزفت نفسه الدنيا وتخلق بكرائم الاخلاق وتحلى بصوالح الأعمال وعرف البرهم بمعرفة نفسه صار برهمنا واتحد بالبرهم وصار هو هو، وهو السعادة الكبرى والحياة البحتة، وإلا فليؤمن بالبرهم وليعمل صالحا حتى يسعد في حياته التالية وهى آخرته.
لكن البرهم لما كان ذاتا مطلقة محيطا بكل شيء غير محاط لشئ كان أعلى وأجل من أن يعرفه الإنسان إلا بنوع من نفى النقائص أو يناله بعبادة أو قربان فمن الواجب علينا أن نتقرب بالعبادة إلى اوليائه وأقوياء خلقه حتى يكونوا شفعاء لنا عنده، وهؤلاء هم الالهة الذين يعبدون من دون الله بعبادة اصنامهم، وهم على كثرتهم إما من الملائكة أو من الجن أو من أرواح المكملين من البراهمة، وإنما يعبد الجن خوفا من شرهم، وغيرهم طمعا في رحمتهم وخوفا من سخطهم ومنهم الأزواج والبنون والبنات لله تعالى.
فهذه جمل ما تتضمنه البرهمية ويعلمه علماء المذهب من البراهمة.
لكن الذى يتحصل من أوبانيشاد وهو القسم الرابع من كتاب ويدا المقدس ربما لم يوافق ما تقدم من كليات عقائدهم وإن اوله علماء المذهب من البراهمة.
فإن الباحث الناقد يجد أن رسائل أوبانيشاد المعلمة للمعارف الإلهية وإن كانت تصف العالم الالوهى والشؤون المتعلقة به من الأسماء والصفات والافعال من إبداء وإعادة وخلق ورزق وإحياء وإماتة وغير ذلك بما يوصف به الأمور الجسمانية المادية كالانقسام والتبعض والسكون والحركة والانتقال والحلول والاتحاد والعظم والصغر وسائر الأحوال الجسمانية المادية إلا أنها تصرح في مواضع منها أن برهم ذات مطلقة متعالية من أن يحيط به حد له الأسماء الحسنى والصفات العليا من حياة وعلم وقدرة، منزه عن نعوت النقص وأعراض المادة، والجسم ليس كمثله شيء.
وتصرح بأنه تعالى أحدى الذات لم يولد من شيء ولم يلد شيئا وليس له كفو ومثل البتة.
وتصرح بأن الحق أن لا يعبد غيره تعالى ولا يتقرب إلى غيره بقربان بل الحرى بالعبادة هو وحده لا شريك له.
وتصرح كثيرا بالقيامة وأنه الأجل الذى ينتهى إليه الخلقة، وتصف ثواب الأعمال وعقابها بعد الموت بما لا يأبى الانطباق على البرزخ من دون أن يتعين حمله على التناسخ.
ولا خبر في هذه الأبحاث الإلهية الموردة فيها عن الاوثان والاصنام وتوجيه العبادات وتقديم القرابين إليها.
وهذه التى نقلناها من أوبانيشاد- وما تركناه اكثر- حقائق سامية ومعارف حقة تطمئن إليها الفطرة الإنسانية السليمة، وهى- كما ترى- تنفى جميع أصول الوثنية الموردة في أول البحث.
والذى يهدى إليه عميق النظر أنها كانت حقائق عالية كشفها آحاد من أهل ولاية الله ثم أخبروا بما وجدوا بعض تلامذتهم الاخذين منهم غير أنهم تكلموا غالبا بالرمز واستعملوا في تعاليمهم الامثال.